–
موسيقى الكلام
–
–
By Ahmed AlQotb, April 27, 2025
–
–
الموسيقى هي لغة المشاعر الإنسانية، غير أنها لغة تصور الكلمات والأفكار والآلام والآمال دون أبجديات منطوقة، إنه الصوت مجردًا من كل التراكمات الثقافية والفكرية للجنس البشري.
–
ولأن كلام البشر صورة انعكاسية لانفعالاتهم وسلوكهم، فإن درجات حدة الصوت (تردده) وشدته وسرعة الحديث وإيقاع الكلمات واسترسالها أو انقطاعها، عادة ما تكون بدورها انعكاسًا للحالة الانفعالية التي تعبر عنها الكلمات، وهو ما يمكن أن نسميه: ”موسيقى الكلام“
–
فعبارة مثل: ”لقد عاد لتوه“ يمكن أن تسمعها بخمس صور مختلفة، وفقًا للحالة الانفعالية للمتكلم:
- – فرحًا: بإيقاع سريع وشدة صوت عالية وتردد مرتفع نسبيًا
- – متحمسًا: بإيقاع سريع وشدة صوت منخفضة
- – خائفًا متوجسًا: بإيقاع بطيئ متردد وشدة صوت منخفضة وتردد منخفض (طبقة صوت منخفضة)
- – حزينًا: صوت متهدج وتردد منخفض وإيقاع اعتيادي
- – غاضبًا: بشدة صوت عالية وتردد منخفض (حدة منخفضة) وإيقاع سريع نسبيًا
–
هذه حالات خمس، وصور خمس، صنعتها موسيقى العبارة، قبل أن تعكسها كلمات العبارة نفسها. وفي الحالات الخمس، أشرنا إلى الأدوات التي يستعملها محترف الأداء في صناعة حالته الانفعالية عند تعامله مع أي نص في صورة من صور الأداء الصوتي، وتلك الأدوات، هي في من الناحية الوظيفية كالريشة والألوان بالنسبة لفنان يرسم لوحة، من المهم أن يعرف كيف يمسكها ويتحكم فيها، لكن الأهم هو موضوع اللوحة، والقدرة الإبداعية التي يمكن أن تنتج عملًا فنيًا غير مسبوق.
–
اللافت للنظر أننا حين نلقي نظرة سريعة على الطيف المتنوع للثقافات الإنسانية، ومراحل تطورها، نجد أن موسيقى الكلام من السمات التي تختلف من بيئة إلى أخرى، وتتطور عبر المراحل المتعاقبة من تاريخ الحضارة الإنسانية.
–
ومن الأمثلة البينة على هذا الاختلاف في الأنماط النغمية للغة الحوار، أن الأمريكي يمكن أن يطرح عليك السؤال بالإنجليزية وينهيه بنغمة وقف تام منخفضة التردد كأنه ينهي عبارة خبرية، على نحو ما تراه في مشهد من فيلم قناع زورو The Mask of Zorro حين سأل دييجو ديلا فيجا (أنتوني هوبكنز) إليخاندرو (أنتونيو بانديراس) عن رفاييل مونتيرو قائلًا: ”رفاييل مونتيرو.. هل تعرفه؟“
–
فلو أنك طرحت السؤال نفسه بالعربية على مستمع عربي بالنسق الموسيقي ذاته، لظن السامع أنك تخبره بأمر ما، لولا أداة الاستفهام التي قد تستعملها.. هذا المثال يشير من طرف خفي إلى تباينات ثقافية واسعة بين البيئات والحضارات الإنسانية تلقي بظلالها على الـ“نوتة“ الموسيقية لعبارات متشابهة تحمل المعنى ذاته، ويفترض أن تنقل المشاعر والرسائل ذاتها، وهو بعد عميق الأثر يغفله كثير من المحترفين في مشروعات الإحلال الصوتي (الدبلجة) حيثما يقومون بإعادة تمثيل أدوار وتجسيد شخصيات في ألعاب فيديو وأفلام وأعمال درامية، بلغات أخرى ومفردات ثقافية جديدة.
–
وعلى صعيد آخر فإن السياق التاريخي وما يحمله من ملابسات يلقي بظلاله على أنماط التواصل بين البشر و صور الإلقاء والتواصل الصوتي، وقد تأثرت فنون الأداء عبر العصور بالخلفيات الثقافية والطقسية للشعوب والحضارات القديمة، منذ كانت الممارسات الطقسية ذات الطابع التفاعلي Immersive Rituals في الصلوات والأعياد لدى المصريين القدماء والآشوريين ومن بعدهم الإغريق، تصبغ صور الأداء المختلفة بطابعها الشعري، الذي يتسق بدوره مع الطبيعة الأسطورية للقصص التي تستحضرها أو تعيد تمثيلها الممارسات الطقسية في تلك المناسبات.
–
وفي العصر الحديث، شهدنا عبر عقود القرن العشرين ومطلع القرن الحالي تحولًا شبيهًا، وإن كان ذا وتيرة أسرع وأكثر حيوية، بل ويمكنك دراسة هذا التحول وأنت جالس على مقعدك، يكفي أن تبحث على Youtube عن إعلانات قديمة أنتجت إبان عقد الخمسينيات من القرن العشرين، لتشهد كيف كانت صور الأداء في زمن ما بعد الحرب العالمية الثانية متأثرًا بالخطاب الجماهيري القومي، على نحو يجعل المادة الإعلانية أقرب في صورتها الموسيقية إلى بيان عسكري.. سرعة الإيقاع، وشدة الصوة Projection مع انخفاض مستوى الحدة، والوقفات المحدودة وشبه النمطية، كانت المحددات العامة لشخصية الأداء، والملامح الشائعة للنمط الموسيقي للخطاب الذي كان أقرب إلى الـإذاعة أو الخطابة، منه إلى الأداء الذي يجسد صورة تمثيلية حية من خلال الصوت.
اليوم، وقد صار التواصل هو كلمة السر، وصار التفاعل هو الهدف الكامن وراء كل صور الأداء، فقد صار النسق الموسيقي المتسق مع لغة الحوار الطبيعية، والصورة الانفعالية التي تعكس أحوال الناس في حياتهم اليومية هي ما ينبغي أن يتمكن محترف الأداء من امتلاك أدواته ليرسم الصورة الحية بصوته ويخلق حالة من التفاعل مع المتلقي. ♦♦♦
Ahmed AlQotb is an award-winning Arabic voiceover artist, casting director, and founder of THE ARABIC VOICE™studios and arabicvoices.net, a leading online casting platform. He is the International Ambassador of the Society of Voice Arts and Sciences (SOVAS) in Egypt and North Africa. With over 20 years of experience, Ahmed has voiced and cast for major global clients such as Apple, Interpol, Harley-Davidson, Mercedes-Benz, Qatar Airways, and Turkish Airlines. His voice features in high-profile projects including the villain “Dr. Dominguez” in Shadow of the Tomb Raider, the Interpol IP Crime curriculum, and Apple’s and Google’s IVR systems for the Middle East. Through THE ARABIC VOICE™, based in the U.S. with studios in Cairo, Ahmed leads a regional team of native Arabic voice talents, delivering culturally attuned productions across MENA. He also founded El Hakawaaty, a talent incubator empowering emerging Arabic voice actors through training and mentorship. Ahmed is widely recognized for elevating Arabic voiceover standards globally and for fostering diversity and excellence in the industry.
–